ومن خطبة له (عليه السلام)
[في التزهيد في الدنيا]
[أَيُّهَا النَّاسُ،] انْظُرُوا إِلى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِينَ عَنْهَا; فَإِنَّهَا وَاللهِ عَمَّا قَلِيل تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الاْمِنَ، لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مَنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلاَ يُدْرَى مَا هُوَ آت مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ. سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ الرِّجَالِ فَيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ ، فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا.
رَحِمَ اللهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، واعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ، فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدٌّنْيَا عَنْ قَلِيل لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الاْخِرَةِ عَمَّا قَلَيل لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُود مُنْقَض، وَكُلُّ مُتَوَقَّع آت، وَكُلُّ آت قَرِيبٌ دَان.
منها: [في صفة العالم]
الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ; وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ لَعَبْدٌ وَكَّلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ، جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، سَائِرٌ بَغَيْرِ دَلِيل، إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ، أوْ إِلَى حَرْثِ الاْخِرَةِ كَسِلَ! كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاِقطٌ عَنْهُ!
منها: [في آخر الزمان]
وَذلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مٌؤْمِن نُوَمَة ، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى، وَأَعْلاَمُ السُّرَى ، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ ، وَلاَ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ ، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ أَبْوَابَ
رَحْمَتِهِ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ.
أَيُّهَا النَّاسُ، سَيَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الاِْسْلاَمُ، كَمَا يُكْفَأُ الاِْنَاءُ بِمَا فِيهِ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيكُمْ ، وَقَدْ قَالِ جَلَّ مِنْ قَائِل: (إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَات وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ).
أما قوله (عليه السلام): «كلّ مؤمِن نُوَمَة» فإنما أَراد به: الخامل الذكر القليل الشر. والمساييح: جمع مِسياح، وهو: الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم. والمذاييع: جمع مِذْياع، وهو: الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها، ونوّه بها. والبُذُرُ: جمع بَذُور وهو: الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه.
Verily in this are signs and We do only try (the people). (Qur'an, 23:30)as-Sayyid ar-Radi says: As regards Amir al-mu'minin's words "kullu mu'minin nuwamah" (every sleeping believer), he implies thereby one who is talked of little and causes no evil. And the word "al-masayih" is the plural of "misyah". He is one who spreads trouble among people through evils and calumnies. And the word "al-madhayi" is the plural of "midhya". He is one who on hearing of an evil about some one spreads it and shouts about it. And "al-budhur" is the plural of "badhur". He is one who excels in foolishness and speaks rubbish.