ومن خطبة له (عليه السلام)
[في مقاصد أُخرى]
فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ مِفْتَاحُ سَدَاد، وَذَخِيرَةُ مَعَاد، وَعِتْقٌ منْ كلِّ مَلَكَة ، وَنَجَاةٌ مِنْ كلِّ هَلَكَة ، بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ، وَيَنْجُوا الْهَارِبُ، وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ.
[فضل العمل]
فَاعْمَلُوا وَالْعَمَلُ يُرْفَعُ، وَالتَّوْبَةُ تَنْفَعُ، وَالدُّعَاءُ يُسْمَعُ، وَالْحَالُ هَادِئَةٌ، وَالاَْقْلامُ جَارِيَةٌ.
وَبَادِرُوا بِالاَْعْمَالِ عُمُراً نَاكسِاً ، أَوْ مَرَضاً حَابِساً ، أَوْ مَوْتاً خَالِساً ، فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ، وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ ، زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوب، وَقِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوب، وَوَاترٌ غَيْرُ
مَطْلُوب، قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ ، وَتَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ ، وَأَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ ، وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ ، وَقَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ ، فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِى ظُلَلِهِ ، وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ ،
وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ ، وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ ، وَجُشُوبَةُ مَذَاقِهِ; فَكَأَنْ قَدْ أَتْاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ ، وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ ، وَعَفَّى آثَارَكُمْ ، وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ، وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ، يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ ، بَيْنَ حَمِيم خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ، وَقَرِيب مَحْزُون لَمْ يَمْنَعْ، وَآخَرَ شَامِت لَمْ يَجْزَعْ.
[فضل الجد]
فَعَلَيْكُمْ بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَالتَّأَهُّبِ وَالاسْتِعْدَادِ، وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ.
وَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الاُْمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا ، وَأصَابُوا غِرَّتَهَا ، وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا ، أَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً ، وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً، لاَ يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ، وَلاَ يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ، وَلاَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ.
فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ، مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ، مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ ، لاَ يَدُومُ رَخَاؤُهَا، وَلاَ يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا، وَلاَ يَرْكُدُ بَلاَؤُهَا.
منها: في صفة الزّهاد
كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا، عَمِلُوا فِيهَا بَمَا يُبْصِرُونَ، وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ ، تَقَلَّبُ أَبْدَانُهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الاْخِرَةِ ، يَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَهُمْ أَشدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ.