121. وقال(عليه السلام): عَجِبْتُ
لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ[1]
الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ
فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الاْخِرَةِ حِسَابَ
الاَْغْنِيَاءِ.
وَعَجِبْتُ
لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالامْسِ نُطْفَةً، وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً.
وَعَجِبْتُ
لِمَنْ شَكَّ فِي اللهِ، وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ.
وَعَجِبْتُ
لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ، وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى.
وَعَجِبْتُ
لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الاُْخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الاُْولَى.
وَعَجِبْتُ
لِعَامِر دَارَ الْفَنَاءِ، وَتَارِك دَارَ الْبَقَاءِ.
122. وقال(عليه السلام): مَنْ
قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لله فِيمَنْ لَيْسَ
لله فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ.
123. وقال(عليه السلام): تَوَقَّوا
الْبَرْدَ[2]
فِي أَوَّلِهِ، وَتَلَقَّوْهُ[3]
فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الاَْبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الاَْشْجَارِ،
أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَآخِرُهُ يُورقُ[4].
124. وقال(عليه السلام): عِظَمُ
الخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْـمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
125. وقال(عليه السلام) وقد رجع من
صفين، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ[5]،
وَالْـمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ[6]،
وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ.
يَا أَهْلَ
التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ
الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ[7]
سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ[8]
لاَحِقٌ.
أَمَّا
الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الاَْزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا
الاَْمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ.
هذَا
خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟
ثم التفت
إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لاََخْبَرُوكُمْ
أَنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)
126. وقال(عليه السلام) وقد سمع
رجلاً يذم الدنيا: أَيُّهَا الذَّامُّ للدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُرِهَا،
[الْـمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ]ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَ
أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ[9]
عَلَيْهَا، أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ[10]، أَمْ مَتى
غَرَّتْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ آبَائِكَ[11]
مِنَ الْبِلَى[12]،
أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى[13]؟
كَمْ عَلَّلْتَ[14]
بِكَفَّيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ! تَبْغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ،
وَتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الاَْطِبَّاءَ[15]،
لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ[16]،
وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطِلْبَتِكَ[17]،
وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ! قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا
نَفْسَكَ[18]،
وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ.
إِنَّ
الدُّنْيَا دَارُ صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَة لِمَنْ فَهِمَ
عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا[19]،
وَدَارُ مَوْعِظَة لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى
مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ،
اكْتَسَبُوا فِيهَاالرَّحْمَةَ، وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ.
فَمَنْ ذَا
يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ[20]
بِبَيْنِهَا[21]،
وَنَادَتْ بِفِراقِهَا، وَنَعَتْ[22]
نَفْسَهَا وَأَهْلَهَا، فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا الْبَلاَءَ،شَوَّقَتْهُمْ
بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ؟! رَاحَتْ بِعَافِيَة[23]،
وَابْتَكَرَتْ[24]
بِفَجِيعَة[25]،
ترغِيباً وَتَرْهِيباً، وَتَخْوِيفاً وَتَحْذِيراً، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ
النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ذَكَّرَتْهُمُ
الدُّنْيَا فَذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَوَعَظَتْهُمْ
فَاتَّعَظُوا.
127. وقال(عليه السلام): إِنَّ لله
مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْم: لِدُوا[26]
لِلْمَوْتِ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
128. وقال(عليه السلام):
الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ إلى دَارِ مَقَرٍّ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ: رَجُلٌ
بَاعَ نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا[27]،
وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ[28]
فَأَعْتَقَهَا.
129. وقال(عليه السلام): لاَ
يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَث: فِي نَكْبَتِهِ،
وَغَيْبَتِهِ، وَوَفَاتِهِ.
130. وقال(عليه السلام): مَنْ
أُعْطِيَ أَرْبعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ
يُحْرَمِ الاِْجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ،
وَمَنْ أُعْطِيَ الاِْسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ
الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ.
وتصديقُ
ذَلكَ في كتَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ عزوجل في الدّعَاء: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ
لَكُمْ)، وقال في الاستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ
يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)، وقال في الشكر: (لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لاَزِيدَنّكُمْ)، وقال في التوبة: (إنّما التّوْبَةُ عَلَى اللهِ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَة ثُم يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيب فأُولَئِكَ
يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)
131. وقال(عليه السلام):
الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيف، وَلِكُلِّ
شَيْء زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ
التَّبَعُّلِ[29].
132. وقال(عليه السلام):
اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، ومَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ
بِالْعَطِيَّةِ.
133. وقال(عليه السلام): تَنْزِلُ
الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ.
134. وقال(عليه السلام): مَا عَالَ[30] امرؤٌ
اقْتَصَدَ.
135. وقال(عليه السلام): قِلَّةُ
الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ، وَالتَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ
نِصْفُ الْهَرَمِ.
136. وقال(عليه السلام): يَنْزِلُ
الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ
مُصِيبَتِهِ حَبِطَ أجْرُهُ[31].
137. وقال(عليه السلام): كَمْ مِنْ
صَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِم لَيْسَ
لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الاَْكْيَاسِ[32]
وَإِفْطَارُهُمْ!
138. وقال(عليه السلام): سُوسُوا[33]
إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَادْفَعُوا
أَمْواجَ الْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ.
139. ومن كلام له (عليه السلام)
لكُمَيْل بن زياد النخعي:
قال
كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فأخرجني
إلى الجبّان[34]،
فلمّا أصحر[35]
تنفّس الصّعَدَاء[36]،
ثمّ قال:
يَا
كُمَيْل بْن زِيَاد، إِنَّ هذهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ[37]،
فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا[38]،
فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ:
النَّاسُ
ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ[39]،
وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاة، وَهَمَجٌ[40]
رَعَاعٌ[41]،
أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِق[42]،
يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيح، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ
يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْن وَثِيق.
يَا
كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ
تَحْرُسُ المَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو[43] عَلَى
الاِْنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
يَا
كُمَيْل بْن زِيَاد، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ
الاِْنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الاُْحْدُوثَةِ بَعْدَ
وَفَاتِهِ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.
يَا
كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الاَْمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ،
وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ
مَفْقُودَةٌ،أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.
هَا إِنَّ
ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً[44]! بَلَى
أَصَبْتُ لَقِناً[45]
غَيْرَ مَأْمُون عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا،
وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى
أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ[46]،
لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ[47]،
يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لاَِوَّلِ عَارِض مِنْ شُبْهَة.
أَلاَ لاَ
ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً[48]
بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ[49]
للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً[50]
بِالْجَمْعِ وَالاِْدِّخَارِ[51]،
لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْء، أَقْرَبُ شَيْء شَبَهاً بِهِمَا
الاَْنَعَامُ[52]
السَّائِمَةُ[53]!
كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ.
اللَّهُمَّ
بَلَى! لاَ تَخْلُو الاَْرْضُ مِنْ قَائِم لله بِحُجَّة، إِمَّا ظَاهِراً
مَشْهُوراً، أوْ خَائِفاً مَغْمُوراً[54]،
لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
وَكَمْ ذَا
وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الاَْقَلُّونَ عَدَداً،
وَالاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى
يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ
بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ،
وَاسْتَلاَنُوا[55]
مَا اسْتَوْعَرَهُ[56]
الْمُتْرَفُونَ[57]،
وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا
بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْـمَحَلِّ الاَْعْلَى، أُولئِكَ
خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى
رُؤْيَتِهِمْ!
انْصَرِفْ
إذَا شِئْتَ.
140. وقال(عليه السلام): الْمَرْءُ
مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
141. وقال(عليه السلام): هَلَكَ
امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.
142. وقال(عليه السلام) لرجل سأَله
أَن يعظه: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الاْخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيُرَجِّي
التَّوْبَةَ[58]
بِطُولِ الاَْمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ
فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ
مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي
الزِّيَادَةَ فِيَما بَقِيَ، يَنْهَى وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ
يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ
الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ[59] عَلَى مَا
يَكْرَهُ الْمَوْتَ لَهُ، إِنْ سَقِمَ[60]
ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عوفِيَ،
وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ
نَالَهُ رَخَاءُ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ،
وَلاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ[61]،
يَخَافُ عَلَى غْيَرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ
مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ[62]
وَفُتِنَ، وَإِنِ افْتقَرَ قَنِطَ[63]
وَوَهَنَ[64]،
يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ، وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ
أَسْلَفَ[65]
الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ[66]
التَّوْبَةَ، وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ[67]
انْفَرَجَ[68]
عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ[69]،
يَصِفُ الْعِبْرَةَ[70]
وَلاَ يَعْتَبرُ، وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلاَ يَتَّعِظُ، فَهُوَ
بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ[71]،
وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيَما يَفْنَى، وَيُسَامِحُ فِيَما يَبْقَى،
يَرَى الْغُنْمَ[72]
مغْرَماً[73]،
وَالْغُرْمَ مَغْنَماً، يخشَى الْمَوْتَ وَلاَ يُبَادِرُ[74]
الْفوْتَ[75]،
يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ
نَفْسِهِ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ،
فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ، وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ
الاَْغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ
عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، يُرْشِدُ
غَيْرَهُ يُغْوِي نَفْسَهُ، فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي، وَيَسْتَوْفِي وَلا يُوفِي،
وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ، وَلاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ.
ولو لم يكن
في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً
لمبصر و، عبرةً لناظر مفكّر.
143. وقال(عليه السلام): لِكُلِّ
امْرِىء عَاقِبَةٌ حُلْوَةٌ أَوْ مُرَّةٌ.
144. وقال(عليه السلام): لِكُلِّ
مُقْبِل إِدْبَارٌ، وَمَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
145. وقال(عليه السلام): لاَ
يَعْدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ وَإِنْ طَالَ بِهِ الزَّمَانُ.
146. وقال(عليه السلام): الرَّاضِي
بِفِعْلِ قَوْم كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ، وَعَلَى كُلِّ دَاخِل فِي بَاطِل
إِثْمَانِ: إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ.
147. وقال(عليه السلام):
اعْتَصِمُوا[76]
بِالذِّمَمِ[77]
فِي أَوْتَادِهَا[78].
148. وقال(عليه السلام):
عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لاَ تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِ[79].
149. وقال(عليه السلام): قَدْ
بُصّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ[80]،
وَقَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ، وأُسْمِعْتُمْ إِنِ اسْتَمَعْتُمْ.
150. وقال(عليه السلام): عَاتِبْ
أَخَاكَ بِالاِْحْسَانِ إِلَيْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالاِْنْعَامِ عَلَيْهِ.
151. وقال(عليه السلام): مَنْ
وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ
الظَّنَّ.
152. وقال(عليه السلام): مَنْ
مَلَكَ استأْثَرَ[81]،
وَمَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي
عُقُولِهَا، وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيرَةُ[82]
بِيَدِهِ.
153. وقال(عليه السلام): الْفَقْرُ
الْمَوْتُ الاَْكْبَرُ.
154. وقال(عليه السلام): مَنْ
قَضَى حَقَّ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَدَهُ.
155. وقال(عليه السلام): لاَ
طَاعَةَ لَِمخْلُوق فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
156. وقال(عليه السلام): لاَ
يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ
لَهُ.
157. وقال(عليه السلام):
الاِْعْجَابُ يَمْنَعُ مِنَ الاْزْدِيَادَ[83].
158. وقال(عليه السلام): الاَْمْرُ
قَرِيبٌ وَالاْصْطِحَابُ قَلِيلٌ[84].
159. وقال(عليه السلام): قَدْ
أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ.
160. وقال(عليه السلام): تَرْكُ
الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ.
161. وقال(عليه السلام): كَمْ مِنْ
أَكْلَة مَنَعَتْ أَكَلاَت!
162. وقال(عليه السلام): النَّاسُ
أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.
163. وقال(عليه السلام): مَنِ
اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الاْرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَاَ.
164. وقال(عليه السلام): مَن
أَحَدَّ[85]
سِنَانَ[86]
الْغَضَبِ لله قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ الْبَاطِلِ.
165. وقال(عليه السلام): إِذَا
هِبْتَ أَمْراً[87]
فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ[88]
أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ.
166. وقال(عليه السلام): آلَةُ
الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ.
167. وقال(عليه السلام): ازْجُرِ
الْمُسِيءَ بِثوَابِ الْـمُحْسِنِ[89].
168. وقال(عليه السلام): احْصُدِ
الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ.
169. وقال(عليه السلام):
اللَّجَاجَةُ تَسُلُّ الرَّأْيَ[90].
170. وقال(عليه السلام): الطَّمَعُ
رِقٌّ مُؤَبَّدٌ.
171. وقال(عليه السلام): ثَمَرَةُ
التَّفْرِيطِ النَّدَامَةُ، وَثَمَرَةُ الْحَزْمِ السَّلاَمَةُ.
172. وقال(عليه السلام): لاَ
خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقوْلِ
بِالْجَهْلِ.
173. وقال(عليه السلام): مَا
اخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلاَّ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلاَلَةً.
174. وقال(عليه السلام): مَا
شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ.
175. وقال(عليه السلام): مَا
كَذَبْتُ وَلاَ كُذِّبْتُ، وَلاَ ضَلَلْتُ وَلاَ ضُلَّ بِي.
176. وقال(عليه السلام):
لِلظَّالِمِ الْبَادِي غَداً بِكَفِّهِ عَضَّةٌ[91].
177. وقال(عليه السلام):
الرَّحِيلُ وَشِيكٌ[92].
178. وقال(عليه السلام): مَنْ
أَبْدى صَفْحَتَهُ[93]
لِلْحَقِّ هَلَكَ.
179. وقال(عليه السلام): مَنْ لَمْ
يُنْجِهِ الصَّبْرُ أَهْلَكَهُ الْجَزَعُ.
180. وقال(عليه السلام):
وَاعَجَبَاهُ! أَتَكُونُ الْخِلاَفَةَ بِالصَّحَابَةِ وَلاَتَكُونُ بِالصَّحَابةِ[94]
وَالْقَرَابَةِ؟
و روي له
شعر في هذا المعنى، وهو:
فَإِنْ
كُنْتَ بِالشُّورَى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ * فَكَيْفَ بِهذَا وَالْمُشِيرُونَ
غُيَّبُ[95]؟
وَإِنْ
كنْتَ بِالْقُرْبَى حَجَجْتَ خَصِيمَهُمْ[96]
* فَغَيْرُكَ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ وَأَقْرَبُ