301. وقال(عليه السلام): لاَ يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْد، حَتّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللهِ سُبْحَانَهُ أَوْثَقَ مِنهُ بِمَا فِي يَدِهِ.
302. وقال(عليه السلام) لانس بن مالك، وقد كان بعثه إلى طلحةَ والزبيرِ لما جاءا[1] إلى البصرة يذكر هما شيئاً سمعه من رسول الله(صلى الله عليه وآله)في معناهما، فلوى عن ذلك، فرجع إليه، فقال: إِنِّي أُنسيتُ ذلك الامرَ.
فَقال(عليه السلام): إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اللهُ بِهَا بَيْضَاءَ لاَمِعَةً لاَ تُوَارِيهَا الْعِمَامَةُ.
يعني البرص، فأصاب أَنَساً هذا الداء فيما بعدُ في وجهه، فكان لا يُرى إلاّ مُبَرقعاً.
303. وقال(عليه السلام): إِنَّ لِلْقُلُوبِ إقْبَالاً وَإِدْبَاراً[2]، فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ، وَإذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ.
304. وقال(عليه السلام): وَفِي الْقرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ[3].
305. وقال(عليه السلام): رُدُّوا الْحَجَرَ[4] مِنْ حَيْثُ جَاءَ، فَإِنَّ الشَّرَّ لاَ يَدْفَعُهُ إِلاَّ الشَّرُّ.
306. وقال(عليه السلام) لكاتبه عبيدالله بن أَبي رافع: أَلِقْ[5] دَوَاتَكَ، وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ[6]، وَفَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ، وقَرْمِطْ[7] بَيْنَ الْحُرُوفِ، فَإِنَّ ذلِكَ أَجْدَرُ بِصَباحَةِ الْخَطِّ.
307. وقال(عليه السلام): أَنا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ.
ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني، والفجار يتبعون المال، كما تتبع النحل يعسوبها، وهو رئيسها.
308. وقال له بعض اليهود: ما دَفَنْتُم نَبِيَّكُم حتّى اختلفتم فيه!
فقال(عليه السلام) له: إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ، وَلكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ: (اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
309. وقيل له: بأيّ شيء غلبتَ الاَقران؟
فقال(عليه السلام): مَا لَقِيتُ رَجُلاً إِلاَّ أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ.
يومىء(عليه السلام) بذلك إلى تمكّن هيبته في القلوب.
310. وقال(عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية: يَا بُنَيَّ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ، فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْه، فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ[8] لِلدَّينِ، مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ، دَاعِيَةٌ لِلْمَقْت!
311. وقال(عليه السلام) لِسائل سأَله عن معضلة[9]: سَل تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ.
312. وقال(عليه السلام) لعبدالله بن العباس، وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وأَرَى، فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي.
313. وروي أنه(عليه السلام)لما ورد الكوفة قادماً من صفين مرّ بالشّباميين[10]، فسمع بكاء النساء على قتلى صفين، وخرج إليه حرب بن شُرَحْبِيل الشّبامي، وكان من وجوه قومه.
فقال(عليه السلام): أَتَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أسْمَعُ؟ أَلاَ تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هذَا الرَّنِينِ[11]؟
و أقبل يمشي معه، وهو(عليه السلام) راكب.
فقال(عليه السلام) له: ارْجِعْ، فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي، وَمَذَلَّةٌ[12] لِلْمُؤْمِنِ.
314. وقال(عليه السلام) وقد مرّ بقتلى الخوارج يوم النَّهْرَوَان: بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ.
فقيل له: مَن غرّهم يا أميرالمؤمنين؟
فقال: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، وَالاَْنْفُسُ الاَْمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بالاَْمَانِيِّ، وَفَسَحَتْ لَهُمْ فِي المَعَاصِيِ، وَعَدَتْهُمُ الاِْظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ.
315. وقال(عليه السلام): اتَّقُوا مَعَاصِيَ اللهِ فِي الْخَلَوَاتِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاكِمُ.
316. وقال(عليه السلام)، لمّا بلغه قتل محمد بن أبي بكر: إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ نَقَصُوا بَغِيضاً، وَنَقَصْنَا حَبِيباً.
317. وقال(عليه السلام): الْعُمْرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللهُ فِيهِ إِلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً.
318. وقال(عليه السلام): مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الاِْثْمُ بِهِ، وَالْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ.
319. وقال(عليه السلام): إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الاَْغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ.
320. وقال(عليه السلام): الاْسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِهِ.
321. وقال(عليه السلام): أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ تَسْتَعيِنُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ.
322. وقال(عليه السلام): إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِيمَةَ الاَْكْيَاسِ[13] عِنْدَ تَفْرِيطِ الْعَجَزَةِ[14]!
323. وقال(عليه السلام): السُّلْطَانُ وَزَعَةُ[15] اللهِ فِي أَرْضِهِ.
324. وقال(عليه السلام) في صفة المؤمن: الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ[16] فِي وَجْهِهِ، وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْء صَدْراً، وَأَذَلُّ شَيْء نَفْساً، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلٌ غَمُّهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مشْغولٌ وَقْتُهُ، شَكُورٌ صَبُورٌ، مغْمُورٌ[17] بِفِكْرَتِهِ، ضَنِينٌ[18] بِخَلَّتِهِ[19]، سَهْلُ الْخَلِيقَةِ[20]، لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ[21]! نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ[22]، وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.
325. وقال(عليه السلام): لَوْرَأَى الْعَبْدُ الاَْجَلَ وَمَسِيرَهُ[23] لاََبْغَضَ الاَْمَلَ وَغُرُورَهُ.
326. وقال(عليه السلام): لِكِّ امْرِىء فِي مَالِهِ شَريِكَانِ: الْوَارِثُ، وَالْحَوَادِثُ.
[327. وقال(عليه السلام): الْمَسْؤُولُ حُرُّ حَتَّى يَعِدَ].
328. وقال(عليه السلام): الدَّاعِي بِلاَ عَمَل كَالرَّامِي بِلاَ وَتَر.
329. وقال(عليه السلام): الْعِلْمُ عِلْمَانِ: مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ[24]، وَلاَ يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُ.
330. وقال(عليه السلام): صَوَابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ: يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا[25]، وَيَذْهَبُ بِذَهَابِهَا.
331. وقال(عليه السلام): الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ، وَالشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى.
332. وقال(عليه السلام): يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَومِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُومِ!
[333. وقال(عليه السلام): الْغِنَى الاَْكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِى النَّاسِ].
334. وقال(عليه السلام): الاَْقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ، وَالْسَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ[26]، وَ(كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، وَالنَّاسُ مَنْقوُصُونَ[27] مَدْخُولُونَ[28] إِلاَّ مَنْ عَصَمَ الله، سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ، وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ، يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ الرِّضَى وَالسُّخْطُ، وَيَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً[29] تَنْكَؤُهُ[30] اللَّحْظَةُ[31]، وَتَسْتَحِيلُهُ[32] الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ.
مَعَاشِرَ النَّاسِ، اتَّقُوا اللهَ، فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّل مَا لاَ يَبْلُغُهُ، وَبَان مَا لاَ يَسْكُنُهُ، وَجَامِع مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِل جَمَعهُ، وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، أَصَابَهُ حَرَاماً، وَاحْتَمَلَ بِهِ آثَاماً، فَبَاءَ بِوِزْرهِ، وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ، آسِفاً لاَهِفاً، قَدْ (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
335. وقال(عليه السلام): مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِي.
336. وقال(عليه السلام): مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ، فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ.
337. وقال(عليه السلام): الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الاْسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ[33]، وَالتَّقْصِيرُ عَنِ الاِْسْتِحْقَاقِ عِيٌّ[34] أَوْ حَسَدٌ.
338. وقال(عليه السلام): أَشدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ.
339. وقال(عليه السلام): مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ، وَمَنْ رَضِيَ برِزْقِ اللهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنْ كَابَدَ الاَْمُورَ[35] عَطِبَ[36]، وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ، وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ،مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فذَاك الاَْحْمَقُ بِعَيْنِهِ. وَالْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسيرِ، مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيَما يَعْنيِهِ.
340. وقال(عليه السلام): لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلاَثُ عَلاَمَات: يَظْلِمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، َ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ[37]،يُظَاهِرُ[38] الْقَوْمَ الظَّلَمَة[39].
341. وقال(عليه السلام): عِنْدَ تَنَاهِي الشِّدَّةِ تَكُونُ الْفَرْجَةُ، وَعِنْدَ تَضَايُقِ حَلَقِ الْبَلاَءِ يَكُونُ الرَّخَاءُ.
342. وقال(عليه السلام) لبعض أصحابه: لاَ تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ: فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَوَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَوْلِيَاءَهُ، وَإِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ اللهِ، فَمَا هَمُّكَ وَشُغُلُكَ بأَعْدَاءِ اللهِ؟!
343. وقال(عليه السلام): أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ.
344. وهنَّأَ بحضرته(عليه السلام) رجل رجلاً بغلام ولد له فقال له: لِيَهْنِئْكَ الْفَارسُ.
فقال(عليه السلام): لاَ تَقُلْ ذلِكَ، وَلكِنْ قُلْ: شَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ.
345. وبنى رجل من عمّاله بناءً فخماً[40]، فقال(عليه السلام): أَطْلَعَتِ الْوَرِقُ[41] رُؤُوسَهَا! إِنَّ الْبِنَاءَ لَيَصِفُ عَنْكَ الْغِنَى.
346. وقيل له (عليه السلام): لو سُدَّ على رجل بَابُ بيته، وتُرِكَ فيه، من أَين كان يأتيه رزقُه؟
فقال(عليه السلام): مِنْ حَيْثُ كَانَ يَأْتِيهِ أَجَلُهُ.
347. وعَزّى(عليه السلام) قوماً عن ميّت فقال: إِنَّ هذَا الاَْمْرَ[42] لَيْسَ بِكُمْ بَدَأَ، وَلاَ إِلَيْكُمُ انْتَهَى، وَقَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هذَا يُسَافِرُ، فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَإِلاَّ قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ.
348. وقال(عليه السلام): أَيُّهَا النَّاسُ، لِيَرَكُمُ اللهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ[43]، كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِينَ[44]! إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذلِكَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً، وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذلِكَ اخْتِبَاراً[45] فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولاً[46].
349. وقال(عليه السلام): يَا أَسْرَى الرَّغْبَةِ[47] أَقْصِرُوا[48] فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ[49] عَلَى الدُّنْيَا لاَ يَروُعُهُ[50] مِنْهَا إِلاَّ صَرِيفُ[51] أَنْيَابِ الْحِدْثَانِ[52]. أَيُّهَا النَّاسُ،
تَوَلَّوا[53] مِنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْدِيبَهَا، وَاعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضَرَاوَةِ[54] عَادَاتِهَا.
350. وقال(عليه السلام): لاَ تَظُنَّنَّ بِكَلِمَة خَرَجَتْ مِنْ أَحَد سَوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلاً.
351. وقال(عليه السلام): إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيّ(صلى الله عليه وآله)، ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ، فَإِنَّ اللهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ[55]، فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَيَمْنَعَ الاُْخْرَى.
352. وقال(عليه السلام): مَنْ ضَنَّ[56] بِعِرْضِهِ فَلْيَدَعِ الْمِرَاءَ[57].
353. وقال(عليه السلام): مِنَ الْخُرْقِ[58] الْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ الاِْمْكَانِ، وَالاَْناةُ[59] بَعْدَ الْفُرْصَةِ[60].
354. وقال(عليه السلام): لاَتَسْأَلْ عَمَّا لاَ يَكُونُ، فَفِي الَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ[61].
355. وقال(عليه السلام): الْفِكْرُ مرْآةٌ صَافِيَةٌ، وَالاْعْتِبَارُ[62] مُنْذِرٌ[63] نَاصِحٌ، وَكَفى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ[64] مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ.
356. وقال(عليه السلام): الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ[65] فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ.
357. وقال(عليه السلام): يَا أيُّها النَّاسُ، مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ[66] مُوبِىءٌ[67] فَتَجَنَّبُوا
مَرْعَاهُ[68]! قُلْعَتُهَا[69] أَحْظَى[70] مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا[71]، وَبُلْغَتُهَا[72] أَزْكَى[73] مِنَ ثَرْوَتِهَا، حُكِمَ عَلَى مُكْثِر مِنْهَا بِالْفَاقَةِ[74]، وَأُعيِنَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا[75] بِالرَّاحَة، مَنْ رَاقَهُ[76] زِبْرِجُهَا[77] أَعْقَبَتْ[78] نَاظِرَيْهِ كَمَهاً[79]، وَمَنِ
اسْتَشْعَرَالشَّغَفَ[80] بِهَا مَلاََتْ ضَمِيرَهُ أَشْجاناً[81]، لَهُنَّ رَقْصٌ[82] عَلى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ[83]: هَمٌّ يَشْغَلُهُ، وَغَمٌّ يَحْزُنُهُ، كَذلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ[84] فَيُلْقَى[85] بِالْفَضاءِ، مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ[86]، هَيِّناً عَلى اللهِ فَناؤُهُ، وَعَلَى الاِْخْوَانِ إِلْقَاؤهُ[87].
وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الدُّنْيَا بَعَيْنِ الاْعْتِبَارِ[88]، وَيَقْتاتُ[89] مِنْهَا بِبَطْنِ
الاْضْطِرَارِ[90]، وَيَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ الْمَقْتِ[91] وَالاِْبْغَاضِ، إِنْ قِيلَ أَثْرى[92]قِيلَ أَكْدَى[93]! وَإِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاءِ! هذَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ فِيهِ يُبْلِسُونَ[94].
358. وقال(عليه السلام): إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، ذِيَادَةً[95] لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِيَاشَةً[96] لَهُمْ إلَى جَنِّتِهِ.
359. وروي أنه(عليه السلام) قلما اعتدل به المنبر إِلاّ قال أَمام خطبته: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ، فَمَا خُلِقَ امْرءٌ عَبَثاً فَيَلْهُو[97]، وَلاَ تُرِكَ سُدىً فَيَلْغُوَ[98]! وَمَا دُنْيَاهُ الَّتي تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَف[99] مِنَ الاْخِرَةِ الَّتي قَبَّحَها سُوءُ النَّظَرِ عِنْدَهُ، وَمَا الْمَغْرُورُ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الدُّنْيَا بأَعْلَى هِمَّتِهِ كَالاْخَرِ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الاْخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِهِ[100].
360. وقال(عليه السلام): لاَ شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الاِْسْلاَمِ، وَلاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى، وَلاَ مَعْقِلَ أَحْصَنَ مِنَ الْوَرَعِ،لاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التّوْبَةِ، وَلاَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ، وَلاَ مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مَنَ الرِّضَى بِالْقُوتِ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ[101]، وَتَبَوَّأَ[102] خَفْضَ الدَّعَةِ[103]، وَالرَّغْبَةُ[104] مِفْتَاحُ  النَّصَبِ[105]، وَمَطِيَّةُ[106] التَّعَبِ، وَالْحِرْصُ وَالْكِبْرُ وَالْحَسَدُ دَوَاع إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ، وَالشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِىءِ الْعُيُوبِ.


[1] وفي بعض النسخ: جاء.
[2] إقْبَال القلوب: رغبتها في العمل، وإدبارها: مَلَلها منه.
[3] نَبَأ ما قَبْلَنا: أي خبرهم في قصص القرآن. ونَبأ مابعدنا: الخبر عن مصير أمورهم، وهو يعلم من سنّة الله فيمن قبلنا. وحُكْمُ ما بيننا: في الاحكام التي نُصّ عليها.
[4] ردّ الحجر: كناية عن مقابلة الشر بالدفع على فاعله ليرتدع عنه، وهذا إذا لم يمكن دفعه بالاحسن.
[5] ألِقْ دَوَاتك: ضع اللِيقة فيها.
[6] جِلْفة القلم ـ بكسر الجيم ـ: ما بين مَبراه وسنته.
[7] القَرْمطة بين الحروف: المقاربة بينها وتضييق فواصلها.
[8] مَنْقَصة: نقص وعيب.
[9] مُعْضِلَة: أُحْجِيَة بقصد المُعَايَاة.
[10] شِبَام ـ ككتاب ـ: اسم حي.
[11] الرَنِين: صوت البكاء.
[12] مَذَلّة أي: مُوجبة للذلّ.
[13] الاكياس ـ جمع كَيِّس ـ: وهم العقلاء.
[14] العَجَزَة ـ جمع عاجز ـ: وهم المقصرون في أَعمالهم لغلبة شهواتهم على عقولهم.
[15] الوَزَعة ـ بالتحريك ـ: جمع وازع، وهو الحاكم يمنع من مخالفة الشريعة.
[16] البِشْر ـ بالكسر ـ: البَشاشة والطلاقة.
[17] مَغْمُور: أي غريق في فكرته لاداء الواجب عليه لنفسه وملّته.
[18] ضَنِين: بخيل.
[19] الخلّة ـ بالفتح ـ: الحاجة.
[20] الخَلِيقة: الطبيعة.
[21] العَرِيكَة: النفس.
[22] الصَلْد: الحجر الصُلْب.
[23] وفي بعض النسخ: ومصيره.
[24] مَطْبوع العلم: ما رسخ في النفس وظهر أثره في أَعمالها، ومسموعه: منقوله ومحفوظه، والاول هو العلم حقاً.
[25] إقْبَال الدولة: كناية عن سلامتها وعلوّها، كأنها مقبلة على صاحبها تطلبه للاخذ بزمامها، وإن لم يطلبها.
[26] السَرَائِر مَبْلُوّة: بلاها الله واختبرها وعلمها.
[27] المَنقُوص: المأخوذ عن رُشْدِهِ وكماله.
[28] المَدْخُول: المغشوش، مُصاب بالدَخَل ـ بالتحريك ـ وهو مرض العقل والقلب.
[29] أصْلَبُهُم عُوداً: المراد أشدّهم تمسكاً بدينه.
[30] تَنْكَؤه: تُسِيل دمه وتجرحه.
[31] اللحظة: النظرة إلى مشتهى.
[32] تَسْتَحِيله: تحوّ له عما هو عليه.
[33] مَلَق ـ بالتحريك ـ: تَمَلّق.
[34] العِيّ ـ بالكسر ـ: العجز.
[35] كابَدَها: قاساها بلا إعداد أسبابها، فكأنه يحاذيها وتطارده.
[36] عَطِبَ: انكسر، والمراد خَسِرَ.
[37] الغَلَبة: القَهْر.
[38] يُظاهر أي: يُعَاوِن.
[39] الظَلَمَة: جمع ظالم.
[40] فخماً أي: عظيماً ضخماً.
[41] 2. الوَرِق ـ بفتح فكسر ـ: الفِضَّة، أي ظهرت الفضة، فأطلعت رؤوسها كناية عن الظهور، ووضح هذا بقوله: إن البناء يصف لك الغنى، أي يدل عليه.
[42] هذا الامر: أي الموت، لم يكن تناوله لصاحبكم أول فعل له ولا آخر فعل له، بل سبقه ميتون وسيكون بعده، وقد كان ميتكم هذا يسافر لبعض حاجاته فاحسبوه مسافراً،إذا طال زمن سفره فإنكم ستتلاقون معه وتقدمون عليه عند موتكم.
[43] وَجِلِين: خائفين.
[44] فَرِقِين: فَزِعِين.
[45] اخْتِباراً: امتحانا من الله.
[46] ضَيّعَ مَأمُولاً: خسر أجراً كان يرتجيه.
[47] أسْرى: جمع أسير. والرغبة: الطمع.
[48] أقْصِرُوا: كُفّوا.
[49] المُعَرّج: المائل إلى الشيء والمُعوّل عليه.
[50] يروعه: يفزعه.
[51] الصَريف: صوت الاسنان ونحوها عند الاصطكاك.
[52] الحِدْثان ـ بالكسر ـ: النوائب.
[53] تَوَلّى الشيء: تحمّل ولايته ليقوم به.
[54] الضَرَاوة: اللَهَج بالشيء والوَلوع به، أي: كُفّوا أنفسكم عن اتباع ما تدفع إليه عاداتها.
[55] الحاجتان: الصلاة على النبي وحاجتك، والاولى مقبولة مجابة قطعاً.
[56] ضَنّ: بَخِلَ.
[57] المِراء: الجِدال في غير حقّ، وفي تركه صَوْنٌ للعرض عن الطعن.
[58] الخرق ـ بالضم ـ: الحُمْق وضدّ الرفق.
[59] الاناة: التأنّي.
[60] الفُرْصة: ما يمكّنك من مطلوبك.
[61] لاتَسْأَل عمّا لايكون أي: لاتتمن من الامور بعيدها، فكفاك من قريبها ما يشغلك.
[62] الاعْتِبار: الاتعاظ بما يحصل للغير ويترتب على أعماله.
[63] مُنْذِر: مخوّف محذّر.
[64]
[65] العلم يهتف بالعمل: يطلبه ويناديه.
[66] الحُطام ـ كغُرَاب ـ: ما تكسر من يبس النبات.
[67] مُوبِىء أي: ذو وَباء مُهْلك.
[68] مَرْعاه: محلّ رَعْيِهِ والتناول منه.
[69] القُلْعَة ـ بالضم ـ: عدم سكونك للتوطّن.
[70] أحظى أي: أسعد.
[71] طمأنينتها: سُكونها وهدوءها.
[72] البُلْغَة ـ بالضم ـ: مقدار ما يُتَبَلّغُ به من القُوت.
[73] أزكَى ـ هنا ـ: أَنْمَى وأكثر.
[74] المُكْثِرُ بالدنيا: حكم الله عليه بالفقر، لانه كلما أكثر زاد طمعه وطلبه، فهو في فقر دائم إلى ما يطمع فيه.
[75] غَنِيَ ـ كَرَضِيَ ـ: استغنى.
[76] رَاقَه: أعجبه وحَسُنَ في عينه.
[77] الزبْرج ـ بكسر فسكون فكسر ـ: الزينة.
[78] اعْقَبَت الشيء: تركته عَقِبها أي بعدها.
[79] الكَمَهُ ـ محركة ـ: العَمَى.
[80] الشَغَف ـ بالغين، محركة ـ: الوَلُوع وشدّة التعلق.
[81] الاشْجان: الاحزان.
[82] رَقْص ـ بالفتح وبالتحريك ـ: حركة واثب.
[83] سُوَيْداء القلب: حَبّته.
[84] الكَظَم ـ محركة ـ: مَخْرَج النفس.
[85] يُلْقى: يُطرح ويُنْبَذ.
[86] الابْهَرَان: وَرِيدا العنق، وانقطاعهما كناية عن الهلاك.
[87] إلقاؤه: المراد ـ هنا ـ طرحه في قبره.
[88] الاعتبار: أخذ العِبْرة والعِظَة.
[89] يَقْتَات: يأخذ من القُوت.
[90] بطْن الاضطِرَار: ما يكفي بطن المضطر، وهو ما يُزيل الضرورة.
[91] المَقْت: الكُرْه والسخْط.
[92] فلان أثْرَى أي: اسْتَغْنى.
[93] أكْدَى أي: افْتَقَرَ.
[94] أبْلَسَ: يئِس وتحيّر، ويوم الحَيْرَة: يوم القيامة.
[95] ذِيادة ـ بالذال ـ أي: منعاً لهم عن المعاصي الجالبة للنقم.
[96] حِيَاشَة: من حاش الصيد: جاءه من حَو الَيْه ليصرفه إلى الحِبالة ويسوقه إليها ليصيده، أي: سَوْقا إلى جَنّتِهِ.
[97] لهَا: تَلَهّى بِلَذّاته.
[98] لَغَا: أتى باللَغْوِ، وهو ما لا فائدة فيه.
[99] خَلَف ـ بفتح اللام ـ: ما يَخْلُفُ الشيء ويأتي بعده.
[100] السُهْمَة ـ بالضم ـ: النصيب.
[101] انتظم الراحة: من قولك انتظمه. بالرمح: أي أنفذه فيه، كأنه ظفر بالراحة.
[102] تَبَوّأ: أُنْزِلَ.
[103] الخفض: أي السعة، والدَعَة ـ بالتحريك ـ كالخَفْض، والاضافة على حد «كرى النوم».
[104] الرَغْبَة: الطمع.
[105] النَصَب ـ بالتحريك ـ: أشد التعب.
[106] المَطِيّة: ما يُمْتَطى ويُرْكَب من دابّة ونحوها.