[ 116 ]

ومن خطبة له (عليه السلام)
[وفيها ينصح أصحابه]
أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ، وَشَاهِداً عَلَى الْخَلْقِ، فَبَلَّغَ رَسَالاَتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَان[1] وَلاَ مُقَصِّر، وَجَاهَدَ فِي اللهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِن[2] وَلاَ مُعَذِّر[3]، إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصَرُ مَنِ اهْتَدَى.
وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ، إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ[4]، تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَتَلْتَدِمُونَ[5] عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لها وَلاَ خَالِفَ[6] عَلَيْهَا، وَلَهَمَّتْ[7] كُلَّ امْرِىء مِنْكُمْ نَفْسُهُ، لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا; وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ، وَأَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ، فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ، وَتَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ.
وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ، قَوْمٌ واللهِ مَيَامِينُ[8] الرَّأْيِ، مَرَاجِيحُ[9] الْحِلْمِ، مَقَاوِيلُ[10] بِالْحَقِّ، مَتَارِيكُ[11] لِلْبَغْيِ. مَضَوْا قُدُماً[12] عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَأَوْجَفُوا[13] عَلَى الْـمَحَجَّةِ[14]، فَظَفِرُوا بَالْعُقْبَى الْدَّائِمَةِ، وَالْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ[15].
أَمَا وَاللهِ، لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ثَقِيف الذَّيَّالُ[16] الْمَيَّالُ، يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ، وَيُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ، إِيه أَبَا وَذَحَةَ!
قال السيّد: الْوَذَحَةُ: الخُنْفُسَاءُ. وهذا القول يومىءُ به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره.


[1] وان: متباطىء متثاقل.
[2] واهِن: ضعيف.
[3] المُعَذِّر: من يعتذر ولا يثبت له عذر.
[4] الصُّعُدات ـ بضمتين ـ: جمع صَعيد بمعنى الطريق، أي: لتركتم منازلهم وهِمْتُم في الطّرُق من شدة الخوف.
[5] الالْتِدام: ضرب النساء صدورهن أووجوهَهن للنياحة.
[6] الخالف: مَن تتركه في أهلك ومالك، إذاخرجت لسفرأ وحرب.
[7] هَمّتْهُ: حَزَنَتْهُ وَشَغَلَتْهُ.
[8] ميامين ـ جمع مَيْمُون ـ: مُبارَك.
[9] مَرَاجيح: أي حُلَماء، من «رجح» إذا ثَقُلَ ومال بغيره، والمراد الرزانة.
[10] مَقاوِيل: جمع مِقْوَال: من يُحْسنُ القولَ.
[11] مَتَارِيك ـ جمع مِتْرَاك ـ: المبالغ في الترك.
[12] 2. القُدُم ـ بضمتين ـ: المُضِيّ أمام، أي سابقين.
[13] الوَجِيف: ضرب من سير الخيل والابل. وأوْجَفَ خيلَة: سيّرها بهذا النوع، والمراد السرعة.
[14] المَحَجّة: الطريق المستقيمة.
[15] الكرامة الباردة: من قولهم «عيش بارد» أي هنيء.
[16] الذّيّال: الطويل القَدّ. الطويل الذّيْل: المتبختر في مشيته.