[158]

ومن خطبة له (عليه السلام)
[ينبّه فيها على فضل الرسول الاعظم، وفضل القرآن، ثم حال دولة بني أميّة]
[النبي والقرآن]
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الاُْمَمِ[1]، وَانْتِقَاض مِنَ الْمُبْرَمِ[2]، فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ.
ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ، وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: أَلاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتي، وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ.
منها: [في دولة بنى أمية]
فَعِنْدَ ذلِكَ لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر[3] إِلاَّ وَأَدْخَلَهُ الظَّلَمَةُ تَرْحَةً[4]، وَأَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً، فَيَوْمَئِذ لاَ يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّماءِ عَاذِرٌ، وَلاَ فِي الاَْرْضِ نَاصِرٌ.
أَصْفَيْتُمْ[5] بِالاَْمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ، وَسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ، مَأْكَلاً بِمَأْكَل، وَمَشْرَباً بِمَشْرَب، مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ، وَمَشَارِبِ الصَّبِرِ[6] وَالْمَقِرِ[7]، وَلِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ، وَدِثَارِ السَّيْفِ[8]. وَإِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَزَوَامِلُ الاْثَامِ[9].
فَأُقْسِمُ، ثُمَّ أُقْسِمُ، لَتَنَخَّمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ[10]، ثُمَّ لاَ تَذُوقُهَا وَلاَ تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ[11]!


[1] الهَجْعة: المرة من الهجوع، وهو النوم ليلاً. والمراد نوم الغفلة في ظلمات الجهالة.
[2] المُبْرَم: المُحْكَم، من أبْرَمَ الحبْلَ إذا أحْكَمَ فَتْلَه. والمراد الاحكام الالهية التي أُبرمت على ألسنة الانبياء.
[3] بيت مَدَر ولا وَبَر: كناية عن أهل الحاضرة والبادية.
[4] تَرْحة: حزن.
[5] أَصْفَيْتَه الشيء: آثرته به واختصصته.
[6] الصّبِر ـ كَكَتف ـ: عُصارة شجر مرّ.
[7]  المَقِر ـ على وزن كَتِف ـ: السمّ.
[8] الدّثار ـ ككتاب ـ: من اللباس، أعلاه فوق الملابس; والسيف يكون أشبه بالدّثار إذا عمّت إباحة الدم بأحكام الهوى.
[9] الزّوامل: جمع زاملة، وهي ما يحمل عليها الطعام من الابل ونحوها.
[10] نَخِمَ ـ كفرح ـ: أخرج النّخامة من صدره فألقاها. والنّخامة ـ بالضمّ ـ: ما يدفعه الصدر أوالدماغ من المواد المُخاطيّة.
[11] الجديدان: الليل والنهار.