أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي ص: 72, من المعجم العقهى الإصدار الثالث.:
خطبة بليغة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ليس فيها ألف:
"حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وتمت كلمته، وسبقت رحمته، ونفذت مشيئته، وفلحت حجته، حمد مقر بربوبية متخضع لعبوديته، مؤمن بتوحيده، ووحدته توحيد عبد مذعن بطاعته، متيقن يقين عبد لمليك ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في صنعه، عجز عن وصفه من يصفه، وضل عن نعته من يعرفه، قرب فبعد، وبعد فقرب، مجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وغضبه نقمة ممدودة موبقة . وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله، بعثه من خير عنصر، وحين فترة، رحمة لعبيدة، ومنة لمزيده، وختم به نبوته، ووضح به حجته، فوعظ ونصح، وبلغ وكدح، رؤوف بكل عبد مؤمن، سخي رضي زكي، عليه رحمة وتسليم وتكريم، من رب غفور رحيم قريب مجيب . وصيتكم - معشر من حضرني - بوصيه ربكم، وذكرتكم سنة نبيكم، فعليكم برهبة ورغبة تسكن قلوبكم، وخشية تجري دموعكم، قبل يوم عظيم مهول يلهيكم ويبكيكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته، وليكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وخشوع، ومسكنة وندم ورجوع، فليغتنم كل منكم صحته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل يهرم ويمرض ويمل ويسقم، ويمله طبيبه، ويعرض عنه حبيبه، وينقطع منه عمره، ويتغير عقله وسمعه وبصره، ثم يصبح ويمسي وهو موعوك وجسمه منهوك، وحديت نفسه، وبكت عليه عرسه، ويتم منه ولده، وتفرق عنه جمعه وعدده، وقسم جمعه، وبسط عليه حنوطه، وشد منه ذقنه، وغسل وقمص وعمم، وودع وسلم, وحمل في سرير، وصلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منضدة، وفرش ممهدة، فجعل في ضريح ملحود، وضيق مسدود بلبن جلمود، وهيل عليه عفره، وحثي عليه مدره، ومحي منه أثره، ونسي خبره، ورجع عنه وليده وصفيه وحبيبه وقريبه ونسيبه، فهو حشو قبره، ورهين سعيه، يسعى في جسمه دود قبره، ويسيل صديده من منخره وجسمه، ويسحن تربه لحمه، وينشف دمه، ويرم عظمه، فيرتهن بيوم حشره، حتى ينفخ في صوره، وينشر من قبره، فلا ينتصر بقبيلة وعشيرة، وحصلت سريرة صدره، وجئ بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير . فحينئذ يلجمه عرقه، ويحرقه قلقه، وتغزر عبرته، وتكثر حسرته، وتكبر صرعته، حجته غير مقبولة، نشرت صحيفته، وتبينت جريمته، ونظر في سوء عمله، فشهدت عينه بنظره، ويده بلمسه، وفرجه بمسه، ورجله بخطوه، ويهلكه منكر ونكير، وكشف له حيث يصير، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد، وغم جديد، في يد ملك عتيد، فظل يعذب في جحيم، ويسقى من حميم، يشوى به وجهه، وينسلخ منه جلده، بعد نضجه جديد . فمن زحزح عن عقوبة ربه، وسكن حضرة فردوس، وتقلب في نعيم، وسقي من تسنيم، ومزج له بزنجبيل، وضمخ بمسك وعنبر، مستديم للملك مقيم في سرور محبور، وعيش مشكور، يشرب من خمور، في روض مغدق، ليس يصدع عن شربه . ليس تكون هذه إلا منزلة من خشي ربه، وحزن نفسه، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه، وسولت له نفسه معصيته ودينه، ذلك قول فصل، وحكم عدل، خير قصص قص، [ووعظ نص، تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد] صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة، ورب كل مربوب، وعلى درسه ذوي طهر غير مسلوب، وعلى كل مؤمن ومؤمنة، والسلام " .