ومن خطبة له (عليه السلام)
وهي من الخطب العجيبة تسمّى «الغراء»
[وفيها نعوت الله جل شأنه، ثمّ الوصية بتقواه، ثمّ التنفير من الدنيا، ثمّ ما يلحق من دخول القيامة، ثمّ تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الاعراض، ثمّ فضله (عليه السلام) في التذكير]
[صفته جلّ شأنه]
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ ، ودَنَا بِطَوْلِهِ ، مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَة وَفَضْل، وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَة وَأَزْل .
أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ، وَسَوَابِغِ ـ نِعَمِهِ ، وَأُومِنُ بهَ أَوَّلاً بَادِياً ،
وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً، وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لاِنْفَاذِ أَمْرِهِ، وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ .
[الوصية بالتقوى]
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ الاَْمْثَالَ ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ المَعَاشَ ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الاِْحْصَاءَ ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابغِ، وَالرِّفَدِ
الرَّوافِغِ ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً، ووَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً ، فِي قَرَارِ خِبْرَة ، وَدَارِ عِبْرَة، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا، وَمُحَاسِبُونَ عَلَيْهَا.
[التنفير من الدنيا]
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا، رَدِغٌ مَشْرَعُهَا ، يُونِقُ مَنْظَرُهَا، وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا، غُرُورٌ حَائِلٌ ، وَضَوْءٌ آفِلٌ ، وَظِلٌّ زائِلٌ،
وَسِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا ، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا ، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا ، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا، وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلى ضَنْكَ الْمَضْجَعِ ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ، ومُعَايَنَةِ الْـمَحَلِّ ، وَثَوَابِ الْعَمَلِ ، وَكَذلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ ،
لاَتُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً ، وَلاَيَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً ، يَحْتَذُون مِثَالاً ، وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً ، إِلَى غَايَةِ الانْتِهَاءِ، وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ.
[بعد الموت البعث]
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الاُْمُورُ، وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ، وَأَزِفَ النُّشُورُ ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ، وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ، وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ، وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ، سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ، مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ، رَعِيلاً صُمُوتاً ، قِيَاماً
صُفُوفاً، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاسْتِكانَةِ ، وَضَرَعُ الاسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ، قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ، وانْقَطَعَ الاَْمَلُ، وَهَوَتِ الاَْفْئِدَةُ كَاظِمَةً ، وَخَشَعَتِ الاَْصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً ، وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ ، وَعَظُمَ الشَّفَقُ ، وَأُرْعِدَتِ الاَْسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ
الْخِطَابِ ، وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ ، وَنَكَالِ الْعِقَابِ، وَنَوَالِ الثَّوَابِ.
[تنبيه الخلق]
عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً، وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً ، وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً ، وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً ، وَكَائِنُونَ رُفَاتاً ، وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً، وَمَدِينُون جَزَاءً، وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً ; قَدْ أُمْهِلُوا في طَلَبِ الْـمَخْرَجِ، وَهُدُوا سَبِيلَ
الْمَنْهَجِ ، وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ ، وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ ، وَخُلُّوا لمِضْماَرِ الْجِيَادِ ، وَرَوِيَّةِ الارْتِيَادِ ، وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ ، فِي مُدَّةِ الاَْجَلِ، وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ .
[فضل التذكير]
فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً ، وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً، لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زاكِيَةً، وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً، وَآرَاءً عَازِمَةً، وَأَلْبَاباً حَازِمَةً!
فَاتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ، وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ، وَوَجِلَ فَعَمِلَ، وَحَاذَرَ فَبَادَرَ ، وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ، وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ ، وَحُذِّرَ [فَحَذِرَ، وَزُجِرَ ]فَازْدَجَرَ ، وَأَجَابَ فأَنَابَ ، وَرَاجَعَ فَتَابَ، وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى ، وَأُرِيَ فَرَأَى، فَأَسْرَعَ طَالِباً، وَنَجَا هَارِباً، فَأَفَادَ ذَخِيرَةً ، وَأَطَابَ سَرِيرَةً، وَعَمَّرَ مَعَاداً، وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ ، وَحَالِ حَاجَتِهِ،
وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ، وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ، وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.
منها: [في التذكير بضروب النعم]
جَعَلَ لَكُمْ أسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا ، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا ، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لاَِعْضَائِهَا، مُلاَئِمَةً لاَِحْنَائِهَا في تَرْكِيبِ صُوَرِهَا، وَمُدَدِ عُمُرِهَا، بِأَبْدَان قَائِمَة بِأَرْفَاقِهَا ، وَقُلُوب رائِدَة لاَِرْزَاقِهَا، فِي
مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ، وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ. وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ ، وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ .
أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الاْمَالِ، وَشَذَّبَهمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ ، لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الاَْبْدَانِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الاَْوَانِ.
فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ؟ وَأَهْلُ
غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ ، وَأُزُوفِ الانتِقَالِ، وَعَلَزِ الْقَلَقِ، وَأَلَمِ الْمَضَضِ ، وَغُصَصِ الْجَرَضِ ، وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالاَْقْرِبَاءِ، وَالاَْعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ!
فَهَلْ دَفَعَتِ الاَْقَارَبُ، أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ؟ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الاَْمُوَاتِ رَهِيناً ، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ ، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ، وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ، وَمَحَا
الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ ، وَصَارَتِ الاَْجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا ، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا، وَالاَْرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بَغَيْبِ أَنْبَائِهَا، لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا، وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّىءِ زَلَلِهَا !
أَوَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالابَاءَ، وَإِخْوَانَهُمْ وَالاَْقْرِبَاءَ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ،
وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ ، وَتَطَؤُونَ جَادَّتَهُمْ ؟! فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا، لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا، سَالِكَةٌ في غَيْرِ مِضْمارِهَا! كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا، وَكَأَنَّ الرُّشْدَ في إحْرَازِ دُنْيَاهَا.
[التحذير من هول الصراط]
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّراطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ ، وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ; فَاتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ، وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ ، وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ ، وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ
يَوْمِهِ، وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ ، وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ ، وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لاَِمَانِهِ، وَتَنَكَّبَ الَْمخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ، وَسَلَكَ أَقْصَدَ المَسَالِكَ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ; وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ، وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الاُْمُورِ، ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى، وَرَاحَةِ النُّعْمَى ، في أَنْعَمِ نَوْمِهِ، وَآمَنِ يَوْمِهِ. قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً، وَقَدَّمَ زَادَ الاْجِلَةِ
سَعِيداً، وَبَادَرَ مِنْ وَجَل ، وَأَكْمَشَ فِي مَهَل، وَرَغِبَ فِي طَلَب، وَذَهَبَ عَنْ هَرَب، وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ، وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ .
فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً، وَكَفى بَالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً! وَكَفَى بِاللهِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً! وَكَفَى بِالكِتَابِ حَجيجاً وَخَصِيماً !
[الوصية بالتقوى]
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً، وَنَفَثَ فِي الاذَانِ نَجِيّاً ، فَأَضَلَّ وَأَرْدَى، وَوَعَدَ فَمَنَّى ، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائمِ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ ، وَاستَغْلَقَ رَهِينَتَهُ ، أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.
منها: في صفة خلق الانسان
أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْحَامِ، وَشُغُفِ الاَْسْتَارِ ، نُطْفَةً دِفاقاً، وَعَلَقَةً مِحَاقاً ، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعاً .
ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لاَفِظاً، وَبَصَراً لاَحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً; حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً ، مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ، فِي
لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ; لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً ، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً ; فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً ، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ أسيراً، لَمْ يُفِدْ عِوَضاً، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً.
دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ ، وَسَنَنِ مِرَاحِهِ، فَظَلَّ
سَادِراً ، وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ، وَطَوَارِقِ الاَْوْجَاعِ والاَْسْقَامِ، بَيْنَ أَخ شَقِيق، وَوَالِد شَفِيق، وَدَاعِيَة بِالْوَيْلِ جَزَعاً، وَلاَدِمَة لِلصَّدْرِ قَلَقاً.
وَالْمَرءُ فِي سَكْرَة مُلْهِية، وَغَمْرَة كَارِثَة ، وَأَنَّة مُوجِعَة، وَجَذْبَة مُكْرِبَة وَسَوْقَة مُتْعِبَة.
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً ، وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الاَْعَوادِ رَجِيعَ وَصِب ، وَنِضْوَ سَقَم، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ،
وَحَشَدَةُ الاِْخْوَانِ، إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ ; حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ ، وَعَثْرَةِ الامْتِحَانِ.
وَأَعْظَمُ مَاهُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُلُ الْحَمِيم ، وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ ، وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ، وَسَوْراتُ السَّعِيرِ، لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ ، وَلاَ
قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ ، وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ، بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ ، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ! إنّا للهِ وَإنّا إليهِ راجعُونَ! إِنَّا بِاللهِ عَائِذُونَ!
عِبَادَ اللهِ، [أَيْنَ] الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا ، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا؟ أُمْهِلُوا طَوِيلاً، وَمُنِحُوا جَميِلاً، وَحُذِّرُوا ألِيماً، وَوُعِدُوا جَسِيماً! احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ ، وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ.
أُولِي الاَْبْصَارِ والاَْسْمَاعِ، وَالْعَافِيَةِ وَالمَتَاعِ، هَلْ مِنْ مَنَاص أَوْ خَلاَص، أَوْ مَعَاذ أَوْ مَلاَذ، أَوْ فِرَار أَوْ مجاز أوْ مَحَار ! أَمْ لاَ؟ (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ! أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ! أَمْ بِمَاذَا تَغْتَرُّونَ؟ وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ
الاَْرْضِ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، قِيدُ قَدِّهِ ، مُتَعَفِّراً عَلى خَدِّهِ!
الاْنَ عِبَادَ اللهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ، فِي فَيْنَةِ الاِرْشَادِ، وَرَاحَةِ الاَْجْسَادِ، [وَبَاحَةِ الاحْتِشَادِ] ، وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ، وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ ، وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ، وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ المُنتَظَرِ ، وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.
وفي الخبر: أنّه(عليه السلام) لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود، وبكت العيون، ورجفت القلوب.
ومن الناس من يسمي هذه الخطبة: «الغراء».
So when they tested (of) the tree their shameful things got displayed unto them and they began covering themselves with leaves of the garden ... (Qu'ran, 7:22)This was the punishment awarded for his committing what was better for him to omit. When removal of dress is punishment its putting on would be a favour, and since this is peculiar to man it has been particularly mentioned. (2). The intention is that Allah would resurrect all the dead, even though they had been eaten by beasts and been merged in their bodies. Its aim is to refute the view of the philosophers who hold that the resurrection of the non-existent is impossible and who do not therefore believe in the physical resurrection. Their argument briefly is that a thing which has lost existence by death cannot return to life. Consequently, after the destruction of this world the return of any of its beings to life is out of question. But this belief is not correct because dispersal of the parts does not mean its non-existence, so as to say that putting these parts together again would involve resurrection of the non-existent. On the other hand separated and dispersed parts continue to exist in some form or the other. Of course, in this connection this objection has some force that when every person is to be resurrected in his own form, then in case one person has eaten the other, then in such a case it would be impossible to resurrect either of them with his own constituent parts, since this would involve creating deficiency of parts in that who had eaten the other. To this metaphysicians have replied that in everybody there are some constituents which are essential and others which are non-essential. The essential constituents remain constant from the beginning till end of life and suffer no change or alteration, and resurrection with regard to such constituents would not create any deficiency in the man who ate the other.